بسم الله الرحمن الرحيم
فضل صلاة الجماعة
عباد الله، إن شأن صلاة الجماعة في الإسلام عظيم، ومكانتها عند الله عالية، ولذلك شرع الله بناء المساجد لها، إن صلاة الجماعة فيها إعلان ذكر الله في بيوته التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه، إن صلاة المسلم مع الجماعة في المساجد يجعله في عداد الرجال الذين مدحهم الله ووعدهم بجزيل الثواب في قوله تعالى: {فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والاصال رجال لا تلهيهم تجٰرة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلوٰة وإيتاء الزكوٰة يخٰفون يوما تتقلب فيه القلوب والابصٰر ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب} (سوة النور/36-37-38).
أمة الإسلام، إن صلاة المسلم مع الجماعة تفضل على صلاته وحده بسبع وعشرين درجة، فأعظم به من فضل، والخطا التي يمشيها المسلم لصلاة الجماعة تحتسب له عند الله أجرا وثوابا فلا يخطو خطوة إلا رفعت له بها درجة وحطت عنه بها سيئة كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة، وذلك أن أحدهم إذا توضأ، فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا ينهزه (لا تنهضه وتقيمه) إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة، فلم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة، حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث فيه " رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: اسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط" رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله" رواه مسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة" رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه والطبراني والحاكم وغيرهم.
إخوة الإيمان، إن صلاة الجماعة فيها تعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ يقف المسلمون فيها صفا واحدا خلف إمام واحد يناجون الله ويدعونه كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، فتظهر قوة المسلمين واتحادهم، وفي صلاة الجماعة اجتماع كلمة المسلمين وائتلاف قلوبهم وتعارفهم وتفقد بعضهم لأحوال بعض، وفيها التعاطف والتراحم، ودفع الكبر والتعاظم، وفيها تقوية الأخوة الدينية، فيقف الكبير إلى جانب الصغير، والغني إلى جانب الفقير، والملك والقوي إلى جانب الضعيف، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، مما به تظهر عدالة الإسلام، وحاجة الخلق إلى الخالق الملك العلام.
ونقول لمن ضيع صلاة الجماعة: يا من ضيعت الصلاة مع الجماعة، ورضيت بالتفريط والإضاعة، لقد خسرت ورب الكعبة كل هذه الفضائل وفاتتك كل هذه الخيرات، أيها المتخلف في بيته عن أداء الصلاة جماعة في بيوت الله، اسمع لقول النبي صلى الله عليه و سلم: "من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر، قالوا: وما العذر؟.
قال: "خوف أو مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلى" أخرجه أبو داود وغيره.
معناه من سمع الأذان ثم تخلف عن صلاة الجماعة المشروعة بلا عذر ليس له ثواب بصلاته منفردا مع صحتها (وليس معناه لم تقبل لم تصح).
صلاة الجماعة تؤخذ منها الدروس الإيمانية، وتسمع فيها الآيات القرءانية، فيتعلم بها الجاهل ويتذكر فيها الغافل ويتوب المذنب، وتخشع القلوب (وتقرب من علام الغيوب).
صلاة المسلم في جماعة أقرب إلى الخشوع وحضور القلب والطمأنينة، وإن الإنسان ليجد الفارق العظيم بين ما إذا صلى وحده وإذا صلى مع الجماعة.
وتعظم المصيبة حين يكون المتخلف عن صلاة الجماعة ممن يقتدى بعمله ويتأسى بفعله، ولا عذر له، وهي أعظم حين يكون هذا المتخلف ممن ينتسب إلى العلم وأهله، ولا عذر له.
يا عبد الله، يا من يتوانى ويتثاقل ويتساهل ويتشاغل، لقد فاتك الخير الكثير والأجر الوفير، فإن من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداها تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة، وإن أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم.
يا عبد الله، حافظ على الصلاة مع الجماعة، وإن شق عليك مخالفة هواك ورأيت كثيرا من الناس في غفلة وهم معرضون {فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون} (سورة الروم/60).
أيها المسلمون، لقد كثر المتخلفون في زماننا هذا عن صلاة الجماعة في المساجد، رجال قادرون أقوياء يسمعون النداء صباح مساء، فلا يجيبون ولا هم يذكرون.
ألسنتهم لاغية، وقلوبهم لاهية، ران عليها كسبها، شغلوا عن الصلاة بتثمير كسبهم ولهوهم ولعبهم، ولو كانوا يجدون من الصلاة في المساجد كسبا دنيويا ولو حقيرا دنيا لرأيتهم إليها مسرعين ولندائها مذعنين مهطعين.
أيها المسلمون، تلك أدلة ونصوص لاح الحق في أكنافها وظهر الهدى في بيانها، ولقد أفصحت الرسل لولا صمم القلوب، ووضحت السبل لولا كدر الذنوب.
نسأل الله تعالى أن يعيننا على أداء صلاة الجماعة.
هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى ءاله وأصحابه وإخوانه من النبيين والمرسلين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله وأطيعوه، وراقبوه ولا تعصوه، يٰأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصٰدقين [التوبة:119].
أيها المسلمون، اتقوا الله في أبنائكم قرة عيونكم وتتابع نسلكم وذكركم، فإنهم أمانة في أعناقكم.
مروهم بالمحافظة على الصلوات وحضور الجمع والجماعات، رغبوهم ورهبوهم، وشجعوهم بالحوافز والجوائز، نشئوهم على حب الآخرة، وكونوا لهم قدوة صالحة، وأمر أهلك بالصلوٰة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعٰقبة للتقوىٰ [طه:132]، يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: ((مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين)) أخرجه أحمد.
واحذروا ما يصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة من سائر الملهيات والمغريات، وألحوا على الله بالدعاء أن يصلح أولادكم.
واعلموا أن الله أمركم بأمر عظيم أمركم بالصلاة والسلام على نبيه الكريم فقال: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى ءال سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى ءال سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى ءال سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى ءال سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم أقر عيوننا وأسعد قلوبنا وأبهج نفوسنا بصلاح شبابنا وفتياتنا، اللهم اجعلنا وذرياتنا وشبابنا وفتياتنا من مقيمي الصلاة، اللهم وتقبل دعاءنا، اللهم من علينا بالأمن في البلاد والصلاح في الذرية والأولاد والفوز يوم المعاد، برحمتك يا أرحم الراحمين.
يقول الله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شىء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد}، اللهم إنا دعوناك فاستجب لنا دعاءنا فاغفر اللهم لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهم استر عوراتنا وءامن روعاتنا واكفنا ما أهمنا وقنا شر ما نتخوف.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون.
اذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه يزدكم، واستغفروه يغفر لكم واتقوه يجعل لكم من أمركم مخرجا، وأقم الصلاة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة